عاد ( رضا ) للبيت مثقلا بهموم ومشكلات عمله، وخيبة أمل جديدة بسبب رفض ( راشد بيه ) مشروعه لتطوير أداء العمل والإنتاج للمرة المائة بعد المائتين لأسباب غير مقنعة، مع أن جدوى المشروع هائلة وتفتح مجال العمل لآلاف الشباب، وتتيح الفرصة لمضاعفة الإنتاج والاكتفاء الذاتي، وليس مستغربا من ( رضا ) مصابرته طوال تلك الفترة وإعادة التفكير مرة بعد مرة في المشروع ودعمه بأفكار جديدة، آملا في تعديل إدارة الشركة العليا لسياستها، لكن ذلك أبدا لا يحدث، وتزداد الخسائرعاما بعد عام، وتسريح العمال والموظفين بات من أولويات الشركة، والأعجب أن أحدا من الموظفين لم يعد يكلف نفسه عناء التظاهر ضد مسؤولي الشركة الفشلة الذين أثقلوا كواهل الموظفين بالعديد والعديد من المشكلات والأزمات، حتى صار الموظفون كالهائمين على وجوههم لا يعلمون أي مشكلة يطالبون بحلها أولا، حافلات الشركة لم تجدد منذ أربعين عاما، حمامات الشركة لم تعد تصلح إلا كحظيرة أبقار، مع الاعتذار طبعا للأبقار؟، العيادة الطبية للشركة لا يوجد بها حتى الشاش والقطن؟، كل مُكاتبات الشركة ومراسلاتها متوقفة منذ شهر تقريبا لحين وصول أجهزة الطباعة والاتصالات الجديدة من أمريكا.
دخل رضا غرفته وفي يده قائمة الأسماء، وأمامه المبلغ الذي أحضره من البنك، والذاكرة هاربة نحو الأيام الخوالي أيام مذاكرته مع ( شهيرة ). أصر ( عم زهير ) والد شهيرة ذات مرة على طرد ( مجدي ) من البيت لأنه ثرثار ويعطلهما عن المذاكرة، ومنذ ذلك الحين إلى أن تخرجوا من الجامعة لم يسمح له بحضور أوقات المذاكرة معهما، وكان يقول:ـ أنا عارفك يا ( رضا )، وأعلم أنك مؤدب، ومخلص، ومتفوق، و( شهيرة ) قد تحسن مستواها العلمي كثيرا منذ أن تعرفتك .. ( مجدي )هذا طوال عمره وهو استغلالي وصائد فرص، كان يستغل قدرات ( رضا ) العلمية، ،ويحصِّل مبالغ بالآلاف من بيع ملخصات ومذكرات وملزمات كلها نتاج جهود ( رضا ) وتأليفه، أما ( شهيرة ) فقد كانت تلح على رضا لقبول شيء من المال فكان يرفض رفضا باتا. ولمن يسأل عن ( شهيرة ) وجمالها فهي فتاة أحلام كل شباب الجامعة أيام التسعينات، لكنها لم تكن تفكر إلا في مجدي، الذي إذا ما أتت سيرته أمام ( عم زهير ) يركبه مائة عفريت ويقول:ـ أنا لا أدري ماذا تحب هذه المجنونة في هذا التافه .. أما ( رضا ) فقد كان يصلي على مشاعره صلاة الغائب، وهي تتحدث أمامه عن مشاعرها نحو ( مجدي )همسا حتى لا يسمعها أبوها، ولعل الحسنة الكبرى في حياة ( رضا ) أنه لم يفصح لـ ( شهيرة) عن حبه.. انتهت الفترة الجامعية، وتخرجوا جميعا، فتزوجت شهيرة ومجدي، وسافرا معا للخارج، وبقي ( رضا ) الذي آثر حضن الشركة وكنفها، حتى أصبحت سنه لا تسمح له بالسفر أو العمل بالخارج، ربما رغبته في تحسين أداء الشركة هو السبب في استبعاد فكرة السفر، فتزوج، وأنجب ثلاث بنات توأما، مكتفيا بسيرة وظيفية مع شركة غنية عن التعريف، أخذت ( شهيرة ) ترسل له المال، ليس لمساعدته، فهي تعلم أنه يموت جوعا ولا يقبل المساعدة من أحد، كل ما طلبه منها مؤخرا أن ترسل له مسكنا من نوع معين للأعصاب لأن المتوفر هنا لا يتضمن المادة الفعالة التي توفرها الشركة المنتجة في منتجاتها هناك .. القائمة كانت تضم ثلاثة أسماء فقط لمستحقي المساعدات منذ أربعة أعوام، هذا العام جاوز العدد الخمسين اسما من فقراء الشركة، والعدد مرشح للزيادة في الأيام المقبلة، و( رضا ) حريص على تقسيم المبلغ بالسوية بين كل الأسماء، ويوصل لكل مستحق نصيبه .. وبينما هو هارب في ذكرياته مع الأيام الخوالي إذ دخلت إحدى بناته يبدو عليها الوهن والهزال، تطلب منه ثمن كيلو ونصف بطاطس0
:ـ هل سنتغدى اليوم بطاطس مقلية أيضا ـ يا فرح ـ ؟
:ـ نعم لكن اليوم سنجعلها ( شيبس ) يا أبي، وبجوارها أكياس صغيرة من الكاتشب الحار اللذيذ ..
مد يده في جيبه فوجد آخر ورقة من فئة العشرة جنيهات تحتضن جنيهين ورقيين، أعطاها العشرة جنيهات، وأبقى الجنيهين ليركب بهما المترو غدا، ثم تذكر أن تذكرة المترو صارت بخمسة جنيهات، فأدرج دون تردد اسمه ضمن القائمة ..
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
**ريشة في مهب الريح**بقلم الشاعرة سوسن خيو//مجلة مقهى الادب
سأكتبك اليوم بشكل آخر سأعيد بناء ما دمره الفراق واكتبك بشكل يليق بحب ك حب الأساطير القديمة سأعيد تشكيل حروفي وأفصلها ثوب من كلمات غزل أض...

-
ستبقي عاصمة لزيف قبابك كأحلام حاكت ظلاما سجون روحك خلف ربيع زائف كبساط طائرشجون البوح رددأصداءصمتك حزنا البعض ظن صمتك العليل فراغ شهوةضما...
-
وأعادي من يعاديكي ثم أفترش الماء ورودا بيضاء ونسيم صفاء يناديكي بأصوات ولغات مختلفة أسوارك ااشاهقة الشاهقة أيتها الخضراء أراضيكي بستان نما...
-
مولاتى أبحرت في عينك بلا شراع ولا مجداف وتعمقت جمال نظراتك فغبت عن الوعي فغرقت في بحورها ولم أجوب محيطها مولاتى أعتب عليك فلم تخبريني فسوف أ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire